كذبة الشغف: لماذا البحث عنه يضمن لك ألا تجده أبدًا
حقائق القادة
Amr El-Basiony
9/12/20251 دقيقة قراءة


اليوم، استقال "أحمد" من شركتنا. شاب لامع، مبدع، وكلنا كنا نتوقع له مستقبلاً كبيراً.
جلست معه وسألته: "هل لديك فرصة أفضل؟"
أجاب بثقة: "لا، لكني لست سعيدًا. أنا لم أُخلق لأكون موظفًا. سأبحث عن شغفي."
لم أضغط عليه. تمنيت له التوفيق.
بعد شهرين، تحدثت معه.
كان صوته يأتيني من وسط رياح البحر.
قال بحماس: "أنا الآن صياد في البحر الأحمر! هذه هي الحياة!" للحظة، صدقت أنه وجد ضالته.
لكن بعد أيام، اتصل بي مرة أخرى بصوت مختلف تمامًا. قال: "عمرو، أنا لست سعيدًا. أشعر أني أملك ما هو أكثر، ورغم كل هذه الحرية، ما زلت مقيدًا. خائف من أني أضيع عمري في تجارب خاطئة."
قلت له: "فاهمك يا أحمد. وفاهمك أكثر مما تتخيل. لأن الدوامة التي أنت فيها، أنا كنت غارقًا فيها لسنوات. إنها دوامة البحث عن 'الشغف'، وهي أكبر كذبة في عالم التطوير المهني." المشكلة يا أحمد ليست فيك. المشكلة في الخريطة التي تستخدمها. خريطتك تقول: "ابحث عن الشغف، وستجد السعادة". لكن هذه الخريطة مقلوبة. الحقيقة هي: الشغف لا يُكتشف بالبحث، بل يُبنى بالعمل. دعنا ننسى الشغف للحظة، ولنركز على بناء شيء حقيقي. هناك نظام من 3 خطوات للخروج من هذه الدوامة.
الخطوة الأولى: توقف عن النظر للخارج، وابدأ الجرد في الداخل.
مشكلتك أنك تبحث عن وظيفة "شغوفة" بدلاً من أن تسأل: "ما هي 'الأسلحة' التي أملكها بالفعل؟". أنت تنظر إلى قائمة الطعام في المطعم قبل أن تعرف حتى إن كنت جائعًا.
تمرين عملي (اختبار القوة): أحضر ورقة وقلم. أجب عن هذه الأسئلة الثلاثة بأمانة مطلقة:
1. سؤال الكفاءة: ما هي الأشياء التي تجيدها بشكل طبيعي، حتى لو بدت لك تافهة؟ (تنظيم، استماع، كتابة واضحة؟).
2. سؤال الاستشارة: ما هي الأشياء التي يأتي الناس دائمًا لطلب مساعدتك فيها؟ ("يا أحمد، ممكن تبص لي على هذا التصميم؟").
3. سؤال الطاقة: ما هي نوعية المشاكل التي عندما تبدأ في حلها، يمر الوقت دون أن تشعر به؟
الخطوة الثانية: حوّل الكفاءة إلى قيمة (عبر التجارب الصغيرة)
الشغف لا يولد من التأمل، بل من رؤية أثر عملك على الآخرين. بمجرد أن تكتمل "اختبار القوة" لديك، مهمتك التالية هي إجراء "تجارب صغيرة" (Micro-Experiments) لاختبار هذه المهارات في العالم الحقيقي. لا تبحث عن وظيفة. ابحث عن مشكلة صغيرة يمكنك حلها لشخص ما.
• إذا كنت جيدًا في الكتابة، اعرض على صديق أن تكتب له وصف منتج مجانًا.
• إذا كنت منظمًا، ساعد فريقك في ترتيب ملفات مشروع معقد. الهدف ليس المال. الهدف هو جمع البيانات: هل استمتعت بالعملية؟ هل رأيت الامتنان في عيون الشخص الآخر؟ هذا الامتنان، هذا الأثر، هو الشرارة الأولى للشغف.
الخطوة الثالثة: أتقن الحرفة (حلقة الإتقان)
هنا يقع معظم الناس في الفخ. يعتقدون أنهم سيجدون شيئًا يحبونه من أول تجربة. هذا هراء. الشغف الحقيقي يولد من حلقة الإتقان: جرّب -> تعلم -> تحسّن -> شاهد الأثر -> اشعر بالرضا -> جرّب شيئًا أصعب. عندما بدأت عملك الأول، كنت ترى نفسك "موظفًا". هذا خطأ. كان يجب أن ترى نفسك "متدربًا" يتقن حرفة معينة. لو ركزت على أن تكون أفضل كاتب تقارير في الشركة، لكنت بنيت "رأس مال مهني". هذا الرأس المال هو الذي يمنحك لاحقًا حرية الاختيار، وليس الهروب العشوائي. الشغف هو مكافأة الإتقان، وليس نقطة البداية.
بعد أن شرحت لأحمد هذا النظام، صمت للحظات ثم قال: "يعني أنا كنت أبحث في المكان الخطأ طوال الوقت." قلت له: "أنت كنت تبحث عن وجهة، بينما كان يجب أن تركز على بناء سفينتك أولاً."
بعد أسبوع، وجدته أمامي في المكتب. لم يأتِ ليطلب وظيفته القديمة. لقد جاء بعرض. قال: "أنا أعرف أنني أجيد الكتابة والتفكير الإبداعي. أريد أن أتولى مسؤولية النشرة الداخلية للشركة. سأجعلها أفضل نشرة داخلية في تاريخ الشركة. هذه هي تجربتي الصغيرة."
في ذلك اليوم، لم أرَ "أحمد" الموظف العائد. لقد رأيت قائدًا يبني شغفه بنفسه، طوبة بطوبة.
القصة ليست عن أحمد. إنها عن كل واحد منا.
إنها عن فهم أن الله لم يطلب منا أن نجد "الشغف"، بل طلب منا أن "نتقن" العمل الذي بين أيدينا. "إِنّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ". الإتقان هو الأساس. والرضا هو الكنز.
والشغف؟ الشغف هو مجرد النور الذي يضيء لك الطريق وأنت تمارس إتقانك.
توقف عن البحث. ابدأ بالبناء.